حملت التطورات الأخيرة، والرسائل القوية التي وجّهتها موسكو إلى نظام الرئيس بشار الأسد ملامحَ تبدّل في المواقف التي حافظت عليها موسكو طويلاً، وإشارات إلى أن صبر الكرملين بدأ ينفد حيال تصرفات الأسد، الذي وصفه تقرير روسي بأنه غداً عبئاً على روسيا.
لكن الآراء تباينت في روسيا حول هذا الموضوع، خصوصاً بعدما تم تسريب معطيات أخيراً، حول مساعٍ للتوصل لاتفاق روسي تركي إيراني على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، فكيف ينظر الروس لمستقبل بشار الأسد.
الاتفاق على الإطاحة بالرئيس السوري بدأ تداوله منذ فترة، وعززته حملة قوية في الصحف الروسية وجهت انتقادات قاسية للنظام السوري، ووصفته بأنه ضعيف وفاقد للشعبية، ولم يعد قادراً على إصلاح الوضع، فضلاً عن نشر تقارير واستطلاع للرأي أجرته وكالة روسية، دلّ على تصاعد حالة التذمر في سوريا، وتدهور شعبية الأسد إلى مستويات غير مسبوقة.
“وكالة الأنباء الفيدرالية” التي نشرت تلك التقارير يملكها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، المشهور بطباخ الرئيس بوتين، والمقرب جداً من صناع القرار الروس، لكن اللافت أن الهجوم ارتبط بالحديث عن قضايا فساد.قيّم التقرير الوضع الاقتصادي في سوريا حالياً بالسلبي للغاية، مشيراً إلى أن طبقة الفاسدين في سوريا تعرقل ارتفاع مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بين موسكو ودمشق، ليكون بنفس مستوى التنسيق السياسي.
وتحت عنوان: “كيف تؤثر الحكومة السورية على مشاكل البلاد؟”، كذّب التقرير ادعاءات وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، أن عدداً من آبار الغاز في حقلي حيان والشاعر توقفت عن العمل بسبب الوضع الأمني في منطقة البادية، لتبرير زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي.
بينما ذهب أحد التقارير بعنوان “الفساد أسوأ من الإرهاب” إلى أن ما يعيق الأعمال الروسية في سوريا، هو أن النظام لم “يهيئ جميع الشروط اللازمة للأعمال الروسية”، رغم الدعم الروسي المتواصل له.وفي الوقت يرى خبراء مطلعون أن سماح موسكو بنشر هذه المعطيات يشكل رسالة قوية ومباشرة إلى الأسد، أحجم آخرون عن إعطاء تقييم يوحي بتبدل موقف روسيا حيال الرئيس السوري، وأشاروا إلى وجود “تذمر” روسي، لكنه لم يصل إلى مرحلة القطيعة أو البحث عن خيارات أخرى في سوريا.
وكانت موسكو وجَّهت رسائل في وقت سابق إلى دمشق، برزت عبر مقالات نُشرت في وسائل إعلام حكومية، دعت الأسد لضرورة القيام بتحرك إصلاحي واسع وسريع قبل “فوات الأوان”، ورأى بعضهم أن شعبية الأسد لا تزيد في أحسن الأحوال حالياً عن 20%. ما يعني أن الحملة الأخيرة غدت مؤشراً على تصاعُد مزاج الاستياء لدى الكرملين، بسبب “تجاهل” دمشق النصائح الروسية طويلاً المتعلقة بالإصلاح والاقتصاد.
وقد صرّح ألكسندر شوميلين، مدير مركز تحليل نزاعات الشرق الأوسط في حديث لـ “عربي بوست” عن تعارُض المصالح الروسية-الإيرانية في سوريا، وأكد أن سيناريو الاتفاق الروسي الإيراني لإزاحة الأسد مبالغ فيه، وأنه كان أحد السيناريوهات المطروحة سابقاً من قبل الخبراء الروس، وأن الحملة الإعلامية الروسية ضد الأسد لأسباب كثيرة منها:
وجود أدلة لدى الجانب الروسي بأن النظام السوري يتعامل مع داعش، كما أنه لا يلتزم بالاتفاقات السياسية مع الجانب الروسي، وتنفيذ الأجندة الإيرانية التي تتعارض مع المصالح الروسية.
وأضاف أن الحرب في سوريا أوشكت على الانتهاء، وأن الأطراف الأساسية المتصارعة هناك حان لها الوقت لتقسيم الكعكة، وأضاف شوميلين أن هناك مصدراً مطلعاً زار طهران، أبلغه أن الإيرانيين لا يثقون في الروس،
وأصبحوا لا يعولون عليهم، بسبب الاتفاق الروسي الأميركي الإسرائيلي عن التنسيق الأمني في سوريا وإزاحة الإيرانيين من المشهد، وأن روسيا سوف تكون البديل لأميركا لحماية إسرائيل في الشرق الأوسط، وأن ما يزعج الروس أيضاً هو أن الإيرانيين متغلغلون في جميع نواحي الدولة السورية ومراكز القرارات الهامة، بل أنشأوا جماعات على شاكلة حزب الله.
وأكد شوميلين أن التقارير الإعلامية الروسية تشير إلى اتفاق روسي-تركي على إزاحة الأسد من المشهد إلى حد كبير صحيحة، وأضاف أنه توجد مباحثات على أعلى مستوى من قِبل السلطات الروسية والتركية، وأكدت أنقرة أكثر من مرة على رحيل الأسد،
لكن طهران هي العائق الوحيد في هذا المشهد، لأنها تعلم جيداً أن الأسد هو الضامن الوحيد لها لكي تبقى سوريا ممراً آمناً لإمدادات أسلحتها إلى حزب الله، لكن في النهاية ستتمكن الدول الأساسية اللاعبة في المشهد السوري على إزاحة الأسد.