كتبت “الأخبار”:
تبيّن أن المصارف اللبنانية كانت قد تبلغت من مصرف لبنان خفض حصصها من بيع الدولارات بنسبة 80 في المئة. وبدورها عكست المصارف هذا القرار في تعاملاتها مع الزبائن وبدأت تضيّق عليهم وتطلب منهم تسديد أقساط قروض التجزئة والسكن، بالدولار وليس بالليرة بحجّة أن مصرف لبنان توقف عن بيعها الدولارات.
قانونياً، لا يمكن المصارف أن ترفض قبول الليرة اللبنانية التي تحمل قوّة إبرائية. وبالتالي لا يمكنها رفض الليرة اللبنانية لتسديد القروض الممنوحة للزبائن بالعملات الأجنبية. وطالما أن مصرف لبنان والمصارف لا تعترف بعد بانهيار سعر الصرف، فلا يمكنهما احتساب قيمة الأقساط بسعر صرف يفوق 1507.5 ليرات وسطياً، وإلا عليهما أن يعترفا بأن الودائع أيضاً أصبحت بسعر الصرف هذا.
أما ما يقوم به مصرف لبنان لجهة خفض «كوتا» المصارف من الدولارات، فلا قيمة فعلية لإجراء كهذا، إذ إن هذه الدولارات التي يبيعها المصرف المركزي للمصارف، هي إما من أموال المصارف الموظفة لديه، أو أن يخلق عملة محلية لا يملكها، وفي كلتا الحالتين ينطبق على هذه الدولارات تعبير «الدولار المحلّي» الذي أتاح مصرف لبنان المتاجرة فيه بسعر يقلّ عن سعر الدولار في السوق الفعلية. والمشكلة أن مصرف لبنان المسؤول الأول والمباشر والحصري بموجب قانون النقد والتسليف عن تنظيم السوق المصرفية، لكنه بدلاً من الانصراف لمعالجة المشكلات الناجمة عن انهيار سعر الصرف وسلوك المصارف المشين في تعاملها مع الزبائن، يعمل على إغراق الاقتصاد بأسعار متعددة لليرة، تاركاً المودعين والمقترضين للمصير الأقوى. وفي المحصلة، صار القويّ يأكل الضعيف، وكالعادة فإن المصارف، على رغم إفلاسها غير المعلن، لا تزال صاحبة النفوذ الأقوى وهي تأكل الضعفاء من صغار المقترضين محاولةً أن تفرض عليهم شراء شيكات بالدولار من السوق لتسديد أقساط ديونهم، وشراء الدولارات النقدية لتسديد أقساط التأمين الملازمة لقروضهم.
حجّة سلامة لخفض بيع الدولارات للمصارف، كما ينقل عنه، أن بعض المصارف «لا توزّع كلّ الكوتا التي تحصل عليها على الزبائن»، مشيراً إلى أن بعضهم استخدم هذه «الكوتا» للمتاجرة بالشيكات المصرفية بالدولار أو لتكوين مؤونات لتغطية خسائر متوقعة في ميزانياتهم، أو لتغطية الخسائر في رؤوس أموالهم بالدولار… لكن حجّة مصرف لبنان التي يروّج لها تثبت أنه ليس أهلاً لإدارة السوق. فمن واجباته منع المصارف من القيام بعمليات متاجرة لم يسمح لهم بها، ومن مسؤوليته ومسؤولية لجنة الرقابة على المصارف مراقبة المصارف وردعها عن القيام بأمور تمسّ بأصول العمل المصرفي، لكنه لا يجد حرجاً في سياق قيامه بهذه الواجبات من الإمعان في ضرب المودعين والاقتصاص منهم، ولا يجد حرجاً في ترك المصارف تمارس سلوكها الانتقامي من المقترضين وصغار المقترضين تحديداً. من واجبات مصرف لبنان حماية المقترضين أيضاً وإجبار المصارف على قبول الليرة اللبنانية طبقاً للقوانين المرعية الإجراء، وقمع المصارف المخالفة، إلا إذا كان يهتمّ حصراً بحماية المصارف ومساعدتها على الانتقام من الزبائن.