“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
من تصريح السيد إلى كلام الإستيذ، ومن عاصفة القاضي طارق بيطار القضائية، إلى رياح اعتذار الشيخ سعد السياسية، بانتظار إخراج الإعلان مكاناً وزماناً وسيناريو. مرحلة الإنتظار لن تطول، حيث بدأت ترتسم صورة المرحلة القادمة، ومسار ومصير المنظومة الحاكمة. فكل المعنيين في الداخل والخارج سلّموا بالأمر الواقع وانعكاساته، مع بدء العد العكسي لانكسار المافيا، من المرفق نفسه الذي كسر قلوب الكثيرين.
فأصداء قنبلة المحقّق العدلي، ستبقى تتردّد بقوة خلال الأيام المقبلة، وسط الأخذ والردّ، خصوصاً بعد دخول الأمين العام ل”حزب الله” على الخط، فيما خصّ كيفية تجاوب المعنيين مع طلبات رفع الحصانة وأذونات الملاحقة، (التي قد تكون مجرّد إجراء روتيني غير ذي قيمة في حال التمنّع عن تلبية طلبات المحقّق العدلي، لما للأخير ولمدعي عام التمييز من صلاحيات) خصوصاً أن الأخير قرّر أن يأخذ بصدره كرة نار المواجهة، تماماً كما فعل مع انطلاق حرب نهر البارد ورسمه الخطوط الحمر، وصولاً إلى ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ليعيد الكرة اليوم لأسباب داخلية وخارجية، بعدما أيقن أن الدائرة بدأت تضيق حول المحسوبين على خطه الممانع والمقاوم.
بطبيعة الحال، فإن المحقق العدلي قد أطلق مسار الملاحقات القانونية، من أعلى الهرم إلى أسفله، حيث لن تشفع لأحد، إمتيازات وهمية من هنا، وإنجازات مصطنعة من هناك، حيث أن العلاقات لن تنفع ولن تكون كافية لإبعاد شبهة التورط عن أي كان، مع الإقرار الشعبي من اللحظة الأولى بأن تبقى الكلمة الفصل للقضاء. لذلك، فإن القاضي بيطار انطلق “بهجومه” محصّناً شعبياً في الداخل، مدعوماً من الخارج، والأهم يقينه باستحالة تنحيته تحت أي ظرف “لأنه بتتخن كتير ساعتها وما حدن بيقدر يحملها”.
لكن ما الذي تغيّر بين القاضيين صقر وبيطار؟ بدايةً من الواضح أن المحقّق العدلي نجح في تسديد ضربته في الوقت المناسب، بشكل مفاجئ وسط تكتم شديد من قبله حول الخطوات التي ينوي اتخاذها، مستفيداً من الثغرات التي وقع فيها سلفه، متّبعاً الأصول، حاشراً الجميع في الزاوية بتنويعه مروحة المدعى عليهم لتطال قطاعات الأمن، السياسة، القضاء، والإدارة، ما دفع بالمعترضين سابقاً، تحت وقع الصدمة، إلى إعلان استعدادهم للمثول أمامه دون رفع حصانة من هنا، أو إعطاء إذن ملاحقة من هناك، متناسين زوبعة حصاناتهم التي تحجّجوا بها سابقاً.
لذلك، يجزم المطلعون من أصحاب الإختصاص، أن القاضي بيطار استكمل ملفه من حيث توقّف سلفه، منكبّاً على دراسة التحقيقات السابقة ومراجعة التقارير، مضافاً إليها تلك الخاصة، التي استمع خلالها إلى مجموعة من الشهود، معتمداً تكتيكات إجرائية مختلفة، ما سمح له بتركيب “بازل” الإدعاءات التي أطلق مرحلتها الأولى، بعد المحاكاة الإدارية التي أجراها لتحديد المسؤولين المعنيين من مختلف الصنوف والصفوف، ومهمة كلّ منهم وفقاً لأحكام القانون الذي حدّد وظيفة ومسؤولية وصلاحية كل منهم، دون الأخذ بالإعتبار عامل الزمن، على اعتبار أن المسؤولية إستمرارية، لذلك، كانت “تشكيلته الأولى من قيادات الصف الأول” قبل أن تكرّ السبحة لتطال الجميع دون مراعاة لأي ظروف أو اعتذارات، بدأ البعض يسوّق لها، حتى أن ثمة من يتحدّث عن استدعاءات قد تطال ضباطاً أمنيين شاركوا عن قصد في تضليل التحقيقات وتسريب معلومات لأهداف مشبوهة ولصالح جهات معروفة.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن التحقيقات مع الرؤوس الكبيرة ستتبعها استدعاءات أيضاً للمرؤوسين، سابقين وحاليين لتأكيد الإفادات أو نفيها، وهو ما يعني عملياً أن القرار الظني سيكون “مبكّل” ولن يصدر قبل اكتمال كل معطياته وفقاً لتقديراته. ملاحظة أساسية في هذا المجال، إن هدف بيطار الأساس يبقى في إعادة تكوين صورة كاملة، ستوصله بالتأكيد إلى الإجابة على الاسئلة الأساسية لجهة، من هو صاحب هذه البضاعة ومصدرها ولصالح من استُقدمت، وهنا اللافت أن الأجهزة الأمنية على اختلافها تتسابق عادة لجمع المعلومات “عن النملة”، فكيف صادف أن أياً منها لم يهتم لأمر تلك السفينة والشحنة؟
وإذا كان “أبو هادي” قد قرّر أن يكون أول المعترضين، كون ريبة “حزب الله” المفهومة، نظراً لانكشاف وسقوط هيكل المنظومة الأمنية – السياسية الراعية للفساد على المرفأ، والتي طالما استفادت منها الضاحية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يبدو في المقابل “بدري أبو كلبشة” ضائعاً فيما خصّ الإدعاء على “سندباد الجمهورية”، الذي قرّر أن يغيب لأيام في لندن، علماً أن ملف التحقيق يحوي مواداً دسمة كانت كفيلة لدفع المحقّق العدلي لاتخاذ إجراءات بحقه، منها رسائل صوتية، والأهم الأسئلة التي رافقت الساعات الأولى من الإنفجار لجهة تسويق اللواء ابراهيم لنظرية التلحيم، التي سقطت على ما يبدو، وحديثه عن انفجار مفرقعات نارية وبعدها الأمونيوم.
هنا، إشارة لا بدّ منها، إن أكثر ما يُقلق الممانعين، في مسألة الإدعاءات ورود إسم وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، حيث يُمكن الإستنتاج بأنه في حال الأخذ بإفادته ومعطياته وأدلته، فإن التحقيق سيسلك مساراً جديداً، وكذلك، الإستدعاءات ستشمل نوعية جديدة من الأشخاص.
بناءً لكل ذلك، هل سيصمد القاضي بيطار؟ هو وفى بوعده الذي قطعه لأهالي الشهداء، وإن وفقاً لأجندته، لإدراكه منذ اللحظة الأولى أن “القيامة رح تقوم وما رح تقعد” وأبواب جهنم ستُفتح متى حانت الساعة، وأبواق الممانعة ستجترّ تشكيكاً وثغرات ومخالفات، كلٌ منها على قياسه وإرضاءً لمعلم. فهل تخفّ حماية المتطوعين للمثول أمام المحقّق بعد كلام السيد؟ وهل تنفع الحملات في تأمين الحماية والضغط اللازمين للهروب من التحقيق والإدعاء؟
حتى تبيان الخيط الأبيض من الأسود، يبقى السؤال مشروعاً عن مدى تورّط أي سياسي، أمني، إداري، وحتى عامل على تماس مع ملف المرفأ، مع تفاوت المسؤوليات، بين مخطّط ومهمل ومنفذ ومتواطئ ومشارك، يجمع بينهم التسبّب بالقتل… فواضح أن الأمور قد استوت، وأن رؤوساً قد أينعت وحان قطافها… فيما أمل اللبنانيين أن لا تحترق أصابع القاضي بيطار…. بناءً عليه رسالة تطمين من “الشاطر حسن” إلى “السيد حسن”: الحقيقة لن تبقى مخفية والعدالة ليست بعيدة، فالأولى ستُعلن والثانية ستتحقّق…. مهما طال الزمن وقصُر…. فغداً لناظره قريب …. أقرب مما تتصوّرون