في الشكلِ، نجحَ المجتمعون تحت سقف “الأعلى للدفاع” في تمديد حالة التعبئة العامّة أسبوعَيْن إضافيَيْن “قابلة للتجديد” على أن تنتهي في الرابع والعشرين من أيار، وفي المضمون “فشل” وزير الصحة العامة حمد حسن في الحدّ من اندفاعة وزير الداخلية محمد فهمي بإتجاه “تقليم أظافر” التعبئة وإدخال تعديلات “جوهرية” على مدرجاتها تبيح المحظورات في نظر حمد.
في الجوهر، بدأ التباين “المنظّم” في وجهات النظر يَرتسم على مسودة التعبئة العامّة “المنقّحة”. وزير الصحة يجد أنّ الإفراط في إنتزاع مدرجاتها يحمِل عاصفة “جامحة” قد تطيح في كامل ما سُجّل من إنجازات على صعيد مكافحة “كورونا”، سيّما وأنّ التقارير الواردة إليه “مخيفة”، وهي كناية عن تخوفات تمظهرت من جراء عدم التزام سائر المواطنين الحدّ الأدنى من الوقاية، وإفراطهم في التجول والتسوق من دون مراعاة للمحظورات.وزير الداخلية له رأي آخر تمظهرَ في بعبدا أمس.
الطيف الأمني بدا سائداً ومسيطراً ويحتل عقل “الصنائع” الخائفة والمتوجسة من إستمرار فعاليات “التعبئة” كما هي مدرجة بفعل الحالات المتولدة عن طغيان عنصر الكبت النفسي من جراء الغلاء الفاحش والجوع اللذين قد يتحولان إلى خطرٍ أمنيّ داهمٍ له قدرة تغذية الارتكابات وبالتالي هزّ السلم الأهلي.
وعلى الأغلب تأخذ ما ورد خلال فعاليات الأسبوع الماضي الاحتجاجية في كثيرٍ من الأهمية.لذلك، فإن تقدير فهمي يذهب صوب ضرورة الحدّ من التعبئة والسماح للناس بالتحرك.
بيد أنّ ذلك يشكّل سيفاً ذي حدين وقد يكون مكلفاً في الغالب. إذ أن المواطنين الذين يتخوّف فهمي عليهم كنتيجة لـ”حجر أنفسهم” في المنازل، قد يتحولون إلى قنابل موقوتة في حال معاينتهم الحقيقية للأسعار واستمرار ارتفاعها المتفلّت من أي ضوابط، وتآكل القدرة الشرائية لرواتبهم ليس تفصيلاً في بلد مثل لبنان حيث إنتشار السلاح وتفلته من أيّة ضوابط.
لكن مخاوفَ فهمي تصبح شرعية حين تُسمتزج آراء قادة الأمن الذين يشاطرون وزير الداخلية مخاوفه، فنِسَب الجريمة بخاصة السرقات إلى إرتفاع، و حالات “التفلّت من الانضباط” في المحال التجارية والسوبرماركات تزداد وتيرة، حتى أن البعض من أصحاب المتاجر الكبرى في بعض المناطق الحساسة، رفعوا أعداد أجراء شركات الأمن المتعاقدين معهم، وعلى الأرجح أن بعضهم طلب “حماية أمنية رسمية” كناية عن أفراد على غرار العناصر المنتشرة على أبواب المصارف، وهذا ينمّي الخشية مما قد يأتي فيما لو طال القلق المترتّب عن التلاعب بالأسعار.
كل ذلك مفهوم، لكن أن يأتي وزير الإقتصاد راوول نعمة بمطالعة طويلة عريضة يستعرض خلالها على أسماع الحاضرين في صالون “المجلس الأعلى للدفاع” التبريرات التي تدفع التجار ومن يعاونهم إلى رفع الأسعار بشكلٍ هستيري، فهذا يحتاج إلى معاجم لتفسيره!
عند طرح موضوع إرتفاع أسعار السلع على اختلافها، وضرورة تحمّل الدولة مسؤوليتها والاضطلاع بدورها في كبح جماح هذه الظاهرة، سيّما وأن ما يترتب عنها يتجاوز الاعتراض وصولاً إلى فتح بازار ذات وجه أمني، تدخل وزير الاقتصاد مبرراً ارتفاع الأسعار بهذا الشكل، ملقياً باللوم فقط على إرتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة.
وقد تقدم بتوزيع بياني خلص عبره إلى أن سعر الصرف إرتفعَ إلى ما نسبته 250% ما أجّج وضعية السوق، لكنه بقيَ ضمن المعقول على إعتبار أن مؤشرات وزارته لحظت أن الارتفاع في السلع لم يتجاوز الـ58% !!كلامُ نعمة ألقى ظلالاً من الشك حول دور الوزارة الفعلي الذي يفترض أنه رقابي – إداري على أسعار المنتجات.
ما خلا ذلك، تحول نعمة إلى مدافع عن حقوق أباطرة التجارة ووصفهم بالمتضررين “الذين يراكمون الخسائر”، ما يبرر حالة التراخي في ملاحقة المتجاوزين للأسعار وإندثار موظفي “حماية المستهلك” عن التجول في مثل هذا الوقت تحت ذريعة “النقص في الموظفين”.هنا، خسائر المواطن غير قابلة للأخذ في الحسبان أو لاستقطاب عناية الوزير.
فتراجع قيمة الحد الأدنى للأجور الذي “يقبضه” غالبية المواطنين إلى ما دون 168 دولاراً قياساً مع سعر صرف بلغ عتبة 4000 ل.ل بعدما كان في زمن الـ 1500 ل.ل يلامس حدود 450 دولار وكان يُعدّ نسبة إلى الحاجات اليومية قليلاً، أدت إلى تآكل القيمة الشرائية للمواطن بنسبة 63%. كل ذلك يعني أننا أمام إجتياح حالة قد تؤدي إلى تفكك المجتمع.
صاحب مقولة “ما تاكلوا بيض ودجاج” لا هم له سوى كبار التجّار في إستجرار واستنساخ واضحين لمنطق صون حقوق “كبار المودعين” الطاغية في زماننا. أنها دولة “حفظ حقوق الكبار وعمر المواطنين ليرجعوا!”.
“مطالعة” الوزير نعمة إستدرجَت ردوداً من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي وصف إرتفاع الأسعار بـ”الغير مقبول” ملزماً وزارة الاقتصاد بـ” إتخاذ إجراءات سريعة تعيد الانتظام” مع “تفعيل المراقبة من دون التقليل من أهمية ما يحدث”.
عبدالله قمح – ليبانون ديبايت