لا تخلو مجالس تيار المستقبل المخصصة لترتيب الأمور داخل البيت السني وإجراء مصالحات في الفريق الأزرق، من استثناء قيادات دخلت العلاقة معها دائرة المحظور وخط اللاعودة، مثل مسألة طي الصفحة الماضية مع النائب نهاد المشنوق وشطب الملفات الخلافية بينهما.
لكن لأسباب معروفة واخرى مخفية فإن وصل ما انقطع بين بيت الوسط والنائب المشنوق غير مطروح في أجندة الرئيس سعد الحريري للمرحلة المقبلة، لأن التراكمات السلبية الكثيرة بينهما اقوى من ان تنتهي بسرعة.
ففي الدائرة اللصيقة بسعد الحريري انتقادات بالجملة والمفرق للمشنوق، الإعلان عنها يتعدى الاطار السياسي العام الى المناكفات.
حيث تم رصد الوزير السابق “متلبسا” بأكثر من ملف ومناورة سياسية ضد “الشيخ” سعد، تارة بالمزايدة في مسائل معينة، او من خلال “بخ” تسريبات تتحدث عن تفريط الرئيس الحريري بصلاحيات الرئاسة الثالثة واظهاره في الحقبات السابقة بمظهر “الضعيف” في التسوية الرئاسية امام جبران باسيل.
يُعاير مستقبليون الوزير السابق بالطموح الشخصي والمناورة لإقتناص الفرص ومحاولة تخطي موقع رئيس الحكومة عندما كان في السلطة، حيث كانت “عين” المشنوق دائما على الكرسي الثالثة، لأنه كان يعتبر نفسه بديلا عن سعد الحريري.
عندما تضيق الفرص، يعود هؤلاء الى ما ورد على لسان الوزير السابق وئام وهاب في احدى اطلالته عن زيارات سرية قام بها المشنوق الى سوريا بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري من دون علم الشيخ سعد، حيث كان يطرح نفسه بديلا في رئاسة الحكومة وقيادة الطائفة السنية، ولو اقتضى الأمر التنسيق مع إيران كما ورد في حديث وهاب.
اكثر من ذلك فإن قيادات سنية معروفة ورجال اعمال تكلموا مراراً وتكراراً عن التقائهم بالمشنوق في مكتب المملوك خلال اسوأ ايام العلاقة بين قريطم ودمشق.
بالنسبة الى المحيطين برئيس تيار المستقبل هناك علامات استفهام كثيرة وُضِعتْ على تصرفات المشنوق في محطات عدة، فالاختلاف بين الطرفين كان شاملاً في حقبة التعايش بينهما، فهو كان يتقصد إظهار تمايزه عن بيت الوسط وتعارض سياسته مع سياسة التيار الازرق في الملفات الساخنة.
كما انه ارتضى التسوية الرئاسية لكنه هاجمها عندما وُضِع لاحقاً “على الرف” ولم يعد شريكا في إدارتها، ما أدى الى الانقلاب الشهير على التسوية وعلى الحريري معاً.
المسار النهائي لفض العلاقة وتحوّلها بينهما حصل في الانتخابات النيابية في شهر ايار من العام 2018، بعد صدور نتائج الانتخابات التي اتهم فيها المشنوق ماكينة المستقبل السياسية والإعلامية “بالغدر” في عملية التصويت وجعله آخر الفائزين على لائحة بيروت من اجل ازاحته من الطريق.
التهمة كان يقابلها لدى المستقبل العديد من الوثائق التي تدين المشنوق باستغلال نفوذ واستثمار وجوده في وزارة الداخلية لتعزيز رصيده وتقوية صورته، للانتقال في يوم من الأيام الى السرايا الحكومية، وهذا ما حدا برئيس تيار المستقبل لقصقصة جوانحه لاحقاً وعزل المقربين منه داخل التيار.
بالنسبة الى المشنوق فإن تصفيته سياسياً وليس جسدياً من قبل المستقبل كانت واضحة عندما قرر الرئيس الحريري فصل النيابة عن الوزارة، في تدبير مقصود لإزاحته من الدرب، حيث اختار ريا الحسن لوزارة الداخلية، وجرى لاحقا إبعاده عن الملفات الاساسية في المستقبل.
عودة الامور الى المربع الأول للعلاقة ليس وارداً، فالمشنوق “يُغرّد” وحيداً خارج السرب السني، زفي مواجهة التيار الازرق، فيما سعد الحريري اقترب ووطد علاقاته برؤساء الحكومات السابقين برغم الاختلافات الجوهرية والحسابات السياسية الضيقة معهما.
لكن حال المشنوق مختلفة، اذ يعتبر الحريريون انه الأخطر بالنسبة الى حالة الحريري مما يحتم وضعه طويلاً على اللائحة السوداء “البلاك ليست” للمستقبل بعد ان اقترن اسمه بأحداث أزعجت بيت الوسط، مثل مقال نيويورك تايمز عن علاقة الحريري بعارضة ازياء، واتهام المشنوق بالوقوف وراء نبش وتوزيع الخبر من دون ان يتمكن الأخير من اثبات براءته بعد.
كما يتحدث “الحريريون” عمّا ورد في تقارير منقولة عن مخابرات بريطانية تفيد عن مخالفة المشنوق لطروحات الرئيس الحريري وتواصله من تحت الطاولة مع النظام السوري، وعن علاقته الوطيدة بقيادات أمنية سورية رفيعة المستوى حتى هذا اليوم، وبإستمرار تنسيق الاخير وبشكل وطيد مع حزب الله، وهو ما يصفه جمهور الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالخيانة العظمى.
إبتسام شديد – الحدث