“فيروس كورونا يشكل قوة قاهرة من جراء تعريض المواطنين، بمن فيهم نزلاء السجون، إلى خطر الإصابة بالعدوى المميتة”…هو قرار قضائي أصدره قاضي التحقيق في الشمال داني الزعني، في ظل تفشي وباء “كورونا” المستجد، معتبراً ان “هذا الأمر يختزن على المستوى الوطني،
حالة ضرورة تسمح للقاضي بما له من سلطة تقدير أن يتخذ تدابير وقائية لملاءمة الأوضاع الخطرة المشكو منها، عبر تطبيق نص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتخلية سبيل الموقوفين على الرغم من عدم إكتمال المهل المنصوص عنها في المادة المذكورة”.
ومع تحوّل القرار الى اجتهاد مطبق في المحاكم، اتصل “ليبانون ديبايت” بنقيب المحامين في الشمال محمد المراد للوقوف على حيثيات القرار وما ستؤول اليه الاوضاع في المحاكم والسجون مع البدء بتطبيق المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
اعتبر المراد ان هذا القرار “محصّن بعلم وجرأة لانه قد اسند الى مبررات ومعطيات دستورية وقانونية، واللافت في هذا المجال المواءمة ما بين الدستور والقانون لمفهوم القوة القاهرة الذي منها استنتج اختزانًا موضوع الضرورة القاهرة في موضوع العقوبات”.
واوضح ان “الضرورة تبيح المحظور، وبالتالي هذا المسار الذي خطّه قاضي التحقيق في الشمال داني الزعني لا ينطبق على فعل بعينه او جريمة بذاتها إنما ينطبق على مختلف انواع الجرائم سواء كانت جناية او جنحة سواء كانت قتلاً او مخدرات او سرقة”.
وتابع مراد شرح موجبات القرار بالقول: “بمجرد الاعلان ان هناك “قوة قاهرة” بمعنى والمقصد القانوني جاء قاضي التحقيق للقول انه يستطيع ان يذهب الى حكم الضرورة من خلال هذه “القوة القاهرة”، والضرورة هي من خلال المادة 108 ومن خلالها نستطيع معالجة مشكلة السجون من الاكتظاظ ومواجهة الوباء بجدية وواقعية”.
ويكتسب هذا القرار اهمية بحسب مراد من خلال اعطائه “رؤية جديدة ومسارًا جديدًا خاصة في ظروف طارئة وصّفت دستوريًا بالتعبئة العامة وإعلان حالة الطوارئ الصحية على مستوى لبنان، كما وصّفت بـ “القوة القاهرة” المُجمع عليه دوليًا حتى فرنسا وهي اخذت بهذا الاتجاه وصدر عن محكمة الاستئناف الفرنسية قرار يخصه”.
اضاف: “الأهم من ذلك هذا القرار قد اتخذ صفة المصادقة والموافقة عليه من المرجع القضائي الأعلى والهيئة الاتهامية، وبالتالي اصبح له مشروعية تناغمت بين قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية، بحيث أقرتا في الشمال اننا امام قوة قاهرة، أي أمام حُكم الضرورة، ما يعني انه باستطاعتنا تقدير أمر إخلاءات السبيل”.النقيب مراد له رأي خاص بوضع المحاكم في لبنان، وقدرتها على الاستمرار في مجاراة الظروف الاستثنائية، ولفت الى ان “لبنان يمر بوضع دقيق وصعب اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، بغض النظر عن “كورونا”، وزادت كورونا في الطين بلة، بالتالي نحن نمر بظرفَيْن استثنائيَين”.وأكد أن “وضع القضاء في لبنان قبل “كورونا” ليس بألف خير، والكل يعترف اننا بحاجة الى دعائم ومرتكزات لتقوية استقلالية السلطة القضائية، وخاصة ان القضاء لدينا ما زال تقليدياً ولم يواكب العصر تكنلوجياً، وفي اي دولة بالعالم اصبح القضاء “ممكنن” واصبحت المحاكمات عن بعد قائمة ولكن نتيجة ظروف وتراكمات على مدى سنوات لم نستطع حتى الان ان نخرج من الدائرة التقليدية القديمة الى الافاق الجديدة”.وختم نقيب المحامين بالقول، “بالرغم من هذه الظروف، حصل تناغم وتعاون مشترك حصل بين مجلس القضاء الاعلى ووزارة العدل ونقابتي المحامين في طرابلس وبيروت حول المستجد بكورونا حتى استطعنا بالتكافل والتشاور والتفاهم ان نحدث مسارا جديدا لم نكن نتوقعه، ففي خلال شهر ونيف يمكننا في الشمال تخلية سبيل 500 موقوف، لننتقل بعدها الى الخطة ب خاصة انها لدينا في الشمال 1500 موقوفاً”.والجدير ذكره، إن محكمة الاستئناف الفرنسية في منطقة كولون اصدرت بتاريخ ١٢/٣/٢٠٢٠ اجتهادا إعتبرت فيه أن وباء كورونا هو حالة ترتدي شروط القوة قاهرة.