انعقد “اللقاء الوطني المالي” لعرض الخطة الاقتصادية المالية التي أقرتها الحكومة، في قصر بعبدا بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب.ومع بدء اللقاء، خاطب رئيس الجمهورية ميشال عون المجتمعين، لافتًا الى أنه”ذا اللقاء ليس الأول من نوعه، بل سبق ودعوت إلى لقاءات مماثلة، عندما واجهتنا قضايا وتحديات أساسية، احتاجت مقاربتها إلى توافق وطني”.
سائلًا، “هل من مراحل وحقبات عاشها لبنان أشد إلحاحاً وحاجة إلى مثل هذا التوافق، كما هي الحال اليوم؟”.
وشرح الرئيس عون أنَّ “الإنقاذ الذي نسعى إليه ليس مسؤولية طرف واحد، أو جهة سياسية واحدة، أو سلطة واحدة؛ فالخروج من النفق المظلم الذي نعبر فيه، هو مسؤولية الجميع”، معتبرًا أن “الوهن الكبير والخطير الذي أصاب بنية وطننا الاقتصاديّة والماليّة والنقديّة والاجتماعيّة يفرض علينا أقصى درجات الشفافيّة وأيضاً أقصى درجات الاتحاد”.
كما شدَّد عون على أنَّنا “نعيش في ظل أزمة نزوح، وفيروس كورونا زاد من إنسداد اقتصادنا، وانكماش اقتصادي، وتراجع الطلب والاستيراد كما التصنيع والتصدير، ونقص في العملات الأجنبية، وارتفاع لمعدلات البطالة والفقر كما ولأسعار السلع، وتهاوي سعر صرف عملتنا، وتراجع الإيرادات الضريبية وانحسار ضماناتنا الاجتماعية”.
وبيَّن أنَّ “أزمتنا المعقدة ليست وليدة اللحظة، فهي نتاج تراكمات متتالية لسياسات وممارسات خاطئة اعتمدت اقتصاد الريع وأغفلت اقتصاد الإنتاج الذي حذرنا منه في 48 موقف علني منذ توليّ سدة الرئاسة، كما فضّلت الربح السريع على الربح المألوف ولكن الدائم، والذي يأتي من قطاعات الإنتاج والخدمات والمعرفة”.
ولفت رئيس الجمهورية الى أن “أحوج ما نكون إليه في أيّامنا هذه هو تجاوز تصفية الحسابات والرهانات السياسيّة فنتّحد للتغلّب على أزمتنا المستفحلة وتغطية الخسائر المحققة في قطاعاتنا كافة، العامة والخاصة”.
وذكَّر ميشال عون أنه “في اجتماع سابق في 2 أيلول 2019 في القصر الجمهوري، قررنا إعلان حالة طوارئ اقتصادية ووضع إطار مالي متوسط المدى لمعالجة ماليتنا العامة، والإسراع في إطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة ضمن مؤتمر CEDRE، والتوافق على تقرير “ماكينزي” ورسم خريطة طريق لتنفيذ التوصيات القطاعية الواردة فيه”.
وقال، “كنا نأمل أن يساهم ما اتفقنا عليه في أيلول الماضي بتفادي حصول أزمة حادّة في ميزان المدفوعات، أو على صعيد سعر صرف الليرة اللبنانيّة أو تمويل ماليتنا العامة، وبالتالي تحفيز الإنتاج وتزخيم الحيويّة في القطاعات الاقتصاديّة كافة”.
ونوّه الرئيس عون بأنَّ “الأزمات والانتكاسات تلاحقت منذ تشرين الأوّل 2019، بعد أن توقفت المصارف عن تلبية طلبات مودعيها في تموز 2019، ودخلنا مرحلة شديدة التقلّبات، فأصبحت المعالجات أكثر إلحاحاً؛ ومن من هنا أتت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة وفقاً لصلاحيتها المنصوص عنها في المادة 65 من الدستور”.
وعن الخطة التي أقرتها الحكومة، إعتبر عون أنها “خطةٌ إنقاذية واكبها طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي، وهو الممر الإلزامي للتعافي إن أحسنّا التفاوض والتزمنا الإصلاح الذي ينشده شعبنا من دون أي إملاء أو وصاية، فنضع حداً لاستنفاد الاحتياطات الخارجية ونحمي أموال المودعين ونحاول احتواء عجز الموازنة ومعالجة تدني المستوى المعيشي”.
وبالإضافة إلى الإصلاحات الهيكليّة، والتي سعت إلى قسم منها الحكومات المتعاقبة، أشار الرئيس عون الى أنَّ “هدف خطة الحكومة تصحيح الاختلالات البنيويّة في الاقتصاد والمال، وإلى تأمين شبكات الأمان الاجتماعيّة والمساعدة المباشرة لمن هم أكثر حاجة، وإلى استعادة الثقة بنظامنا الاقتصادي والمالي”.
كما لفت الى أن الخطة الانقاذية “تهدف إلى خفض الدين العام بشكل يقي لبنان المخاطر المستقبليّة، ووضع الماليّة العامة على مسار مستدام، وتحقيق الشفافيّة من خلال التدقيق المالي، وإلى كشف الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان وتصحيحها، وإلى إعادة الاعتبار إلى التسليفات للقطاعات الإنتاجيّة”.
وبيّن عون أن خطة الحكومة “ترمي إلى تطبيق تدابير إصلاحيّة لتعزيز النموّ وزيادة الإنتاجيّة، بالإضافة إلى تصحيح ميزان المدفوعات وتحسين القدرة التنافسيّة للاقتصاد، بالتوازي مع إصلاح مالي يركّز على استئصال الفساد وتحسين الامتثال الضريبي وضبط الهدر وحسن إدارة القطاع العام”.
وإعتبر أن هذه الخطة وفي كلّ مراحلها، “تسعى إلى تجنيب الفئات الأقلّ مناعة من شعبنا تداعيات الأزمة وإلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، من ضمان وصحة وتربية وغيرها من الحاجات الحيوية”.
وأكمل ميشال عون، “بالإضافة إلى الدعم المالي الخارجي المطلوب، فإنّ نجاح خطة الحكومة وارتضاء التضحيات التي تستلزم، والتي تبقى، على صعوبتها، أقلّ حدّة من تداعيات انهيار اقتصادي ومالي شامل، إنّما يتطلبان اتحاداً وطنيّاً ووعياً عميقاً لما يهدد وجودنا وكياننا وهويّة لبنان”.
وإذ ألمح عون الى أن خطة الاصلاح الاقتصادي والمالي حددت الأهداف، رأى أنه “يبقى علينا البدء بإجراءات تنفيذية فورية تعيد الثقة بالدولة وبالقطاع المصرفي على الصعيدين الداخلي والخارجي، واعتماد خطوات تطبيقية سريعة وضرورية”.
وشدد رئيس الجمهورية على أن “خطة الحكومة لم تُدرس بفكر سياسي، بل بفكر اقتصادي”، داعيًا “إلى مقاربتها من هذا المنطلق لعلّنا نتمكن من استعادة دور لبنان:
واحةً من الليبرالية الاقتصادية المسؤولة وغير المتوحشة، في ظلّ سيادة القانون ومنطق المحاسبة والشفافية والعدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن والإصلاح المستدام”.