“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
عملياً، دخلنا في ساعات الحسم الحكومي سلباً أو إيجاباً وعلى أكثر من إتجاه، وهذا الحسم يلاقيه على الضفة المقابلة حسم ٌ من نوعٍ آخر، حسم ٌ لتوجهات ومواقف سياسية باتت مرتبطة عضوياً بما سيؤول إليه مصير الملف الحكومي، ومن الطبيعي أن أياً من النتائج المعلّقة إلى حينه تستوجب فرض شكل من أشكال الصدام، وفي ذلك دعوة للإستعداد إلى مرحلة جديدة.
خلال زيارة وفد لجنة شؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي بيروت قبل أسبوع تقريباً ولقاء أعضائها برئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، أعلن أمامهم بأن الحكومة يفترض أن تتشكل في غضون أسبوع . دوّنَ أعضاء الوفد ما أعلنه الرئيس الذي قارب إعلانه حدود الجزم. عنى ذلك أمرين: إن الرئيس مستعد للتنازل عن بعض التفاصيل متى رُبط ذلك بتنازل مقابل ومتوازن. الأمر الثاني أن الرئيس جزم أمام الوفد بأن الحكومة قيد التشكّل، وقارب ذلك حدود النصيحة إلى الأميركيين بإستلحاق أنفسهم!
طبعاً كانت السفيرة الاميركية دوروثي شيا موجودة، وهي من الشخصيات المعروف بأنها تسعى خلف “تشذيب” حضور “حزب الله + العهد” في الحكومة العتيدة عملاً بمفاعيل العقوبات المزعومة، وقد بلغ سابقاً أن إدارتها لن تستسيغ حضوراً للحزب على وزن ما كان يحصل في الحكومات السابقة، فقدّر أن أي تشكيلة لا تُراعي وجهة النظر الأميركية معرّضة للسقوط.
في مكانٍ آخر، كان قد عمّ حديث حول وجود طرف أميركي داخل الإدارة في واشنطن يوافق شيا وآخرين رأيهم، لكنه لا يعلّق تأليف الحكومة على تحقيق أية أماني سياسية، رغبةً منهم في التفرّغ لأمرين أساسيين، عبارة عن استحقاق منتظرين: وصول السفن الإيرانية والبحث في سبل مواجهتها، والشروع في الإعداد للإنتخابات النيابية المقبلة، سيّما وأن في بال واشنطن أن “تقرّش” خطواتها العقابية تجاه الحزب وبيئته وحلفائه في الصناديق، لذلك كانوا منفتحين تقريباً على نتائج قد لا يتقبلونها حكومياً خدمةً لمصالحهم.
وعملاً بهذه القواعد، غادر وفد الكونغرس الأراضي اللبنانية. وعلى ما يبدو من خلال المتابعات، دوّن في تقريره إشارة إلى عبارة رئيس الجمهورية حول “قرب تأليف الحكومة”، وعلى الأرجح نصح أو ثمة من نصح بأخذ التطورات في الإعتبار، لذلك نجد أن الكلام الأميركي تبدّل جوهرياً وحصل ما حصل بعد مغادرة الوفد، من خلال تطور الموقف الأميركي وتسريب معلومات حول حصول اتصالات مع الجانب الفرنسي استدعت الإنتباه و أوحت أن الأميركيين يتكاتفون مع الفرنسيين في ممارسة الضغط لأجل تأليف حكومة لبنانية جديدة. ما يعنيه ذلك أن الجانب الأميركي أتمّ “استدارة” وبدّل من توجهاته.
سريعاً، لقي هذا الكلام تصريفه في الحقل السياسي اللبناني، تماماً كما حدث في قضية زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى دمشق نهاية الأسبوع الفائت انصياعاً لإيعاز أميركي صرف. وابتداءً من نهاية الأسبوع المنصرم، عاود “الوسطاء” نشاطهم على خط حلّ العقد الحكومية المتبقية، وقد استخدموا الإعلام لأجل ملاقاة التسريب الأميركي بتسريب آخر على وزنه، أوحى بأن حلّ العقد يأخذ مداه، وأن الإعلان عن ولادة الحكومة مسألة ساعات. واستخدام الضخ وعلى هذه الوتيرة، يعني أمراً واحداً: دفع الجميع إلى التنازل لإمرار التأليف.
عملياً، ثبت خلال التجربة الماضية أقلّه، أن الاعلام، أو التسريب والضخّ عبر الإعلام جعل من هذا الأخير مشاركاً في تأليف الحكومات أو أقلّه مساهماً في مجالات تعزيز إنضاج ظروفها وأحياناً معرقلاً لها على مثل ما حدثَ بالأمس. وكانت أشارت المعلومات أن الجزء الأكبر من العُقد الحكوميّة قد حلّت. لكن ذلك لا يعني أن الحكومة على وشك الولادة، وغالباً الأمتار الأخيرة تخفي الكثير من المفاجآت. وعملاً بالتجارب السابقة، يمكن القول أن احتمالات الإخفاق توازي احتمالات النجاح، وإن الأمر متوقف على تفصيل من هنا وآخر من هناك ومرهون على جولات اللواء عباس إبراهيم على المقار المعنية وعلى زيارة أخيرة للرئيس نجيب ميقاتي إلى بعبدا بصفته رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة.
مبدئياً، ما يدور النقاش حوله حتى الآن على ذمّة المصادر، يقوم على حقيبة الإقتصاد وسط محاولات دفع للتنازل عنها من جانب رئيس الجمهورية لصالح رئيس الحكومة المكلّف، على أن تكون ضمن الحصة السُنيّة، مقابل إعادة “تصريف” فعل نائب رئيس الحكومة وجعله مرّة جديدة في عهدة الرئيس لكن من دون حقيبة و بشرط أن يتوافق الرئيسان الشريكان بحكم الدستور، على الأسم. لكن ثمة معضلة نشأت عن هذا التصريف وقوامها موقع الوزيرين محل الإشارة في حالة التصويت لاحقاً. فبينما لا تجد بعض الأطراف “المتوسطة” مانعاً في منحهما هامشاً من الحرية، يجد الرئيسان أنه من الضروري عزلهما عن هذا الجانب، إمراراً لمقتضيات الإتفاق، الذي يبدو ولغايته أنه مشروع يقوم على تبادلي متوازن.
ومع أن الإشارة أعلاه تميل للإعتقاد بأن مسألة الإعلان قاربت على النضوج، إلاّ أن أوساطاً متابعة ألمحت إلى وجود عقدة مستترة تتمثل بموقف “التيار الوطني الحرّ” من التشكيلة. فميقاتي يفضّل في حال إنجاز التأليف أن ينال تعهداً من جانب “التيار” بمنح حكومته الثقة على اعتبار أن ما قُدّم إلى رئيس الجمهورية يستوجب ذلك. في المقابل، يرفض “التيار” مستنداً إلى إعلانٍ سابق تبنّاه بأنه غير ممثّل في الحكومة ولا يريد المشاركة، وأنه لا يربط منحه الثقة بتسويات إنما ببرنامج عمل الحكومة وطبيعة تكوينها الوزاري.
هذه الأجواء قد لا تستوجب إعلاناً للحكومة سيّما وسط حديث وضرب وطرح لمواعيد غير ثابتة بين ثلاثاء وأربعاء. وبهذا المعنى فإن البعد الزمني قد يصبح مفتوحاً على شياطين قد تطرأ فجأة. من هنا، كان ثمّة من ينصح بتأمين توافق على تجاوز مسألة الحداد العام بإعلان الحكومة حصراً.
ثمة أمرٌ آخر يدفع إلى الخشية من كمائن متربّصة. ففي حال لم يتصاعد الدخان الأبيض في الموعد المفترض للتأليف إيذاناً بالتشكيل، فإن “التيار الوطني” مقبلٌ على ردّ فعل على احتمال سقوط آخر أمل بتأليف حكومة وبالتالي عودة الحديث عن الإعتذار. وفي حال تقليب أوراق المرحلة الماضية، فإنه لا يُعثر من تهديدات “التيّار” إلاّ على دعوة لاستقالة جماعية من مجلس النواب، أي قلب الطاولة على الجميع.