لا أحد يحسد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على وضعيته السياسية اليوم. الإفلاس السياسي يطرق بابه. من شرفة منزله يُشاهد تجليات إضمحلال حالته لمصلحة أخرى من جينات العائلة الموروثة.
لا حلفاء لسعد الحريري ولا أصدقاء يُعوّل عليهم اليوم، ما هو متوفّرٌ يضم مجموعة أضدادٍ أبرمَ معهم إتفاقية تعاون مؤخرًا بعدما تقدَّمَ بطلبِ إنتسابٍ إلى ناديهم.
الخارج لا يقل شأنًا عن الداخل. العباءة التي ألبسته إياها السعودية نزعتها عنه. في الافق هناك منافسٌ شرعيٌّ مؤهلٌ، وثمة أكثر من مُزاحمٍ. قصة التهاوي بدأت حين إتخذت الرياض قرار تصفيةِ الحريري سياسيًّا ذات تشرين وها هي مستمرّة.
ملء خزانات الدراجات النارية بالوقود وإطلاق العنان لإفراغ دخان “اشكماناتها” في شوارع العاصمة لا ينفع في إخفاء معالم مشكلة زعيم ولا أزمة طائفة.
الجميع بات يُدرك أن الواقع السُنّي لا يكاد بل أفلت من يدي الحريري ولا سيما في العاصمة بيروت. الحفلات التنكرية لا تزيد الأمر إلا تعقيدًا.نواب “المستقبل” هم تحت الضغط في محيطهم. مرّ شهر رمضان وبالكاد قدمت “عُلبة تمر” إلى المناصرين.
أين تنكات الزيت؟ زمن القحط قد حلّ. لا كراتين تموين مرة أخرى. الافطارات منقطعة منذ مدة والاجابة جاهزة “لا أموال”. القصة تنعكس على “كورونا”.
“المستقبل” في ذيل ترتيب الأحزاب التي توغلت في الخطوط الأمامية لمواجهة الجائحة. الحريري أو تيّاره أكثر فريق محتاج للاستفادة وفي الوقت نفسه أكثرهم فقدانًا للقدرة على الاستفادة. بالكاد جهزَ مراكز حجر، والبيئة السُنّية تُرِكَت إلى قدرها.الوعود التي قطعها الحريري في احتفالية ذكرى والده تبخرت وطارت كما طار غيرها، مصيبة زادت من الأمور المعقدة تعقيدًا.
وعدَ بإصلاح الامور داخل البيت وهاتِ إن تصلح. إنسى الـ 900 ألف وظيفة. والآن باتت تأتيه الهجمات من كل حدب وصوب، حتى مواقعه داخل الادارة طاولها الخطر.
المشكلة الأعظم أن سوء الطالع يُداهم الحريري. نزل عليه تسريب لقائه بمعاون أمين عام حزب الله الحاج حسين خليل ثقيلا. قضى ليلته حينها عاملًا على نفي الخبر.
ما ترك جيشًا إلكترونيًا أو مكتبًا إعلاميًا إلّا وجنّده خدمةً لنسف أنباء اللقاء وإصباغه صفة الغير الموجود والمختلَق، حتى أنه تدخل بنفسه، لكن النتيجة أتت بوشايةٍ من أصحاب البيت وأين؟ على أوراق صحيفةٍ سعودية أسقطت ما بقيَ من ماءِ وجهٍ.الآن، عضوية الحريري داخل نادي الرؤساء السابقين في خطر.
الرئيس فؤاد السنيورة أبلغ إلى من يهمه الأمر أنه ليس في وارد إكمال الشراكة مع الحريري كعضو في النادي. بمعنى آخر هو مع طرده، وقراره الراهن “لا مشاركة في إجتماعاتٍ تضمّه”.
“الوساطات” دخلت على الخط. السعودية أبلغت رسالتها إلى “صاحب البيت” عبر صحيفة “عكاظ”. “تناول الافطار على مائدة الخليل لا أهلًا ولا سهلاً به”. خلاصة ما ورد عبر الصحيفة والتقرير بات في عهدة أصحاب السمو.أينما فرّ من غضبِ المملكة يجده ملاقيه.
لقد منحت مؤخرًا منبرًا لذمّ حزب الله ضمّت إليه الحشد “البليغ” من الضاربين على وتر كره الحزب. شخصيات المشهد القديم غاب عنها سعد المُصَنَّف من المغضوب عليهم ولا الضالين. والرياض تعرف “الحركشة” جيدًا. استنسبت إلى موقع المتحدث بإسم أهل السُنّة الرئيس فؤاد السنيورة، وليس سرًّا أن أحلام العودة إلى السراي على جوادٍ سعوديٍّ عادت تدغدغ مشاعره من جديد.
ما كان ينقص المشهد “السوريالي” سوى إعلان الحريري تبريرات عجز إدارته أمام هجمة الحكومة الجديدة. مثّل إجتماع كتلته النيابية الأخير الذي تولى إدارته الكترونيًا آخر شوكة في المسار. بدا مثل الشاكي لأمره. أقرّ بفشله وفشل سياساته دون أن يعلم.
قدّم جائزة إلى خصومه تصلح لإنتقاده والذم به طيلة 24 ساعة! قال ردًا على إقرار الورقة الاقتصادية لحكومة حسان دياب والتي اصبغت صفة الاستثنائية، بأنها ليست المرة الأولى التي تقرّ فيها خطة اقتصادية، ويتم تناسي الخطط الاقتصادية التي أقرت في مؤتمرات باريس 1 و 2 و3 ومؤتمر “سيدر”، والتي لو نُفذت، ولم تقابل بالتعطيل والكيدية، لكان لبنان والشعب اللبناني بألفِ خيرٍ اليوم”. إقرارٌ واضحٌ بالفشلِ. قبل السعودي أتاه الاميركي “ذميًّا” ايضاً بالـ 15 عامًا التي يتغنى بها “الزُرق”، وكان ولا زال الحريري يتغنى بها في الحكم.
أدمغها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر إنكارًا. بالنسبة إليه، يحتاج لبنان إلى “عملية طويلة لتحرير نفسه من الاضطرابات الاقتصادية المستمرة منذ عقودٍ والتي أدت إلى الأزمة الحالية”. ما يمكن تلخيصه من كلام المسؤول الأميركي ذماً بحق بكامل الفترة الماضية التي كانت “الحريرية” شريكة فيها.
لقد باتَ شبه مقتنع أنّ ما يتغزل به “الحريريّون” ما هو إلّا سراب، ليس أكثر من إضطرابٍ إقتصاديٍّ ساد لعقودٍ وبات الآن يتسبَّب بالكارثة.
ما يحدث الآن أن الحريري يفتعل أزمات متنوعة وليس لديه غاية سوى الهروب. حتى حزب الله المصنف حريرياً ضمن قائمة “المقربين” بات مربكاً من تصرفات “الشيخ” الاخيرة. لا يُمكن تصنيف تصرفاته إلا ضمن إطار “الهلع”، الهلع من ما هو آتٍ.
المعركة الجارية بينه وبين التيار الوطني الحر نموذجاً. ليس تعمد رمي القنابل الدخانية على المضمار إلا دليلاً على الإرباك والهلع والخروج من العقل والرغبة في الانسحاب من “سجن الماضي البرتقالي” من دون أن يلحظ أحد، وعلى الأرجح مسار تصفية الحسابات سيستمرّ.
عبدالله قمح – ليبانون ديبايت