يتجّه اللبنانيون نحو أسلوب جديد من العيش، ولم يكن تاريخ 17 تشرين عنوانًا للتغيير في لبنان وحسب، بل كان بالفعل نقطة التحوّل الإقتصادي في حياة شعبٍ اعتاد بعد العام 1990 على الرخاء، فيما يبدو أنّه سيعود من اليوم إلى التقشّف. خلال ثلاثين عامًا اعتاد اللبناني على أن يكون مصروفه أكبر من مدخوله، وأن يلوّن حياته بما لا يتناسب مع طبقته الإجتماعية، محاولًا الإرتقاء بشكل وهمي مستغلّا “الظواهر” التي لم تأتِ عليه وعلى مجتمعه، سوى بالسوء.
مع الخطة الإقتصادية الجديدة للحكومة، والتي حملت “بشائر” تثبيت السعر الرسمي لصرف الدولار على 3500 ل.ل. أو أي سعر قريب منه، يبدو أنّ كل ما سبق سيغدو من الماضي، ولا يمكن العودة إليه بتاتًا، والأولوية اليوم للغذاء والحاجات الأساسية.يكشف مصدر اقتصادي لـ “ليبانون ديبايت” أنّ القروض التي حصلت الناس عليها من المصارف ويسددونها اليوم على سعر 1517 ليرة، هم ملزمون على إستكمال تسديدها على السعر الرسمي الجديد في حال تثبيته. كلام المصدر يتقاطع مع حالات عديدة يتحدث عنها مواطنون ممن توجّهوا نحو المصارف لتسديد كامل قروضهم على سعر 1500، ليقابلوا برفض من المصارف التي لا توافق سوى على تلقّي السند المستحق فقط لا غير. سلبيات تثبيت السعر على 3500 أو ما يقاربه، بحسب ما تلقّت الحكومة من نصائح، لا يقف على القروض، بل يتعدّاها إلى القدرة الشرائية، التي يبدو أنّها انخفضت بالفعل مع ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء ليلامس عتبة الـ4000 ليرة. هذا الأمر من المحتمل أن يتضاعف نتيجة إبقاء المصرف المركزي على سياساته التي لم يسع من خلالها الى ضبط سوق النقد، رافضًا حاكمه الكلام عن مسؤوليته في هذا المجال.في هذا الإطار تبرز الضغوط السياسية التي تقف حائلًا في وجه تطبيق بعض الإجراءات التي تحمي ودائع صغار المودعين وتحمي اللبنانيين عمومًا من أي خطر مستقبلي، وأبرزها الـ”كابيتال كونترول”، وبحسب المصدر لم يطبّق هذا الإجراء تسهيلًا للإبقاء على تهريب الأموال.
هنا يُطرح سؤال كبير: هل سيلتزم رياض سلامة بالنصيحة التي تلقّتها الحكومة لرفع سعر الصرف الرسمي إلى 3500؟ يؤكد المصدر الإقتصادي أن تعنّت سلامة أوصل حال الليرة في الأشهر الأخيرة إلى واقع مخيف وتاريخي، نتيجة رفضه ضخ الدولار في السوق رغم الطلب الحكومي بذلك، ولكن في حال تدخّل صندوق النقد ليتعاون مع الحكومة طالبًا رفع السعر وتثبيته فلا يمكن لسلامة أن يرفض.
أما على صعيد ايجابيات التثبيت على ما يقارب 3500، فإن الحكومة سترفع بهذا القرار من ايرادات الدولة، لا سيّما الضرائب على التجّار والمصدّرين، حيث يدفع هؤلاء اليوم الضريبة على القيمة المضافة وكذلك باقي الضرائب المتوجبة عليهم على سعر 1500، فيما يبيعون سلعهم على ما يفوق الـ4000،
وهو الأمر الذي تخسر به الخزينة الكثير. الجدير ذكره، أنّ رفع سعر الصرف لن يترافق هذه المرّة مع رفع للحد الأدنى للأجور، بل على العكس، يبدو أن تثبيت الأجور سيضاعف من خنق المواطنين، هنا باتوا جميعًا ملزمين بتغيير قواعد معيشتهم، حيث باتت بطاقات السفر لمن يستطيع إليها سبيلا، فيما بات الإستعانة بعاملة منزلية وتسديد راتبها بالدولار أمر صعب جدًا حتى لقسم من الطبقة الميسورة، وكذلك إرسال الطلّاب إلى الجامعات العالمية للتخصّص سيكون من سابع المستحيلات.يبقى الرهان على تمكّن الحكومة من إلزام حاكم مصرف لبنان تثبيت سعر السوق على ما يقارب السعر الرسمي المنوي تثبيته، وذلك كي لا يصل سعر الدولار في السوق السوداء لحدود لا يتخيّلها أحد على الإطلاق!
صفاء درويش – ليبانون ديبايت