“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
“مناخ الأزمة الحكومية تصاعدي ولا إشارات تنبىء بحصول تطورّ إيجابي واحد”. هي خلاصة كتلة من المواقف التي تعبّر عنها المستويات السياسية كافة، من بينها موقف مسجّل بوكالة حصرية لمصدر مطّلع على المعضلة الحكومية الراهنة.
وزير الإعلام جورج قرداحي، أعاد تكرار المعزوفة ذاتها: الضمانات. جديده أنه كرّرها من عين التينة، أي من مصنع الحلول والطرف الذي يتردّد بأنه يبحث عن “مخرج غير مكلف”. الرجل ومرجعيته من خلفه، يبحثان عن ضمانات إذاً من أجل تأمين استقالة “مشرفة”. ما هي هذه الضمانات؟ بإختصار طلب وقف الإجراءات التصاعدية السعودية / الخليجية المتخذة بحق لبنان.
من جانبه لا يرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن هذا الهدف يصبّ في أجندته. هو يبحث عن إعادة “تقليع” الحكومة بأقلّ أضرار ممكنة ولا يرى إمكانيةً لحدوث ذلك من خارج إخراج قرداحي منها. رئيس الجمهورية ميشال عون يشاطره الرأي، وكان قد تواصل مع “حزب الله” سابقاً من أجل إبرام “تفاهمٍ” يقضي بـ”عزلٍ ديمقراطي” لقرداحي، عبر إجراء تصويت داخل مجلس الوزراء ليس على الإقالة وإنما الإستقالة، بمعنى إلزام قرداحي بالإستقالة رغبةً من جانب الغالبية. لكن الخطوة لم تُسفر عن شيء يذكر لسببين: رفض الحزب وحركة “أمل”، طرح الفكرة على النقاش، ورفض قرداحي أن يتمّ إلزامه بهذه الطريقة، وتقديم استقالة دون وجود ثمن لها. ولم يعد سرّاً أن ثمة جوٌ يتبلور سياسياً يؤازر فكرة “فرض الإستقالة”. في المقابل يرفضها الثنائي الشيعي مطلقاً على اعتبار أنها تستبطن دفع ثمنٍ باهظ، لجهة تبحث عن تعميم مشكلة وتوسيعها وليس عن إيجاد حلّ. إلى جانب هذا السبب، ثمة آخر لا يقلّ وطأة. وفق قراءة الثنائي، بات الرئيس نجيب ميقاتي يتحمّل جزءاً من أسباب عرقلة انعقاد مجلس الوزراء لرفضه حضور قرداحي الجلسات، وهذا الكلام يأتي رداً على “المعزوفة” القائلة بأن الثنائي الشيعي يتحمّل وزر عدم انعقاد الحكومة بهذه الظروف الحساسة. من جهة ثانية، الثنائي الشيعي لا يقبل حتى قاعدة التصويب على “إستقالة أو إقالة” رغم أنه أبلغ بأنه في حلٍّ من الإختيار، ويمكنه التصويب بـ”لا” لكنه رفض، على اعتبار أن هكذا خطوة تمثل انتقاصاً منه تجاه الحلفاء، وتعني ربحاً سعودياً صافياً على قاعدة أن ما تبتغيه السعودية، إقالة القرداحي وتحميله الثمن دون أن تتكبّد هي أي ثمن في المقابل.. ثمة جانبٌ آخر ما زال يقف الثنائي عنده. فقضية قرداحي ليست هي السبب الأساس لوقف عمل الحكومة وإنما مسألة القاضي بيطار وقضية أحداث الطيونة اللتين تحتاجان لمعالجات على قاعدة الفصل بين الملفات. فحلّ قصة قرداحي لن تلحق نتائجها قضيتي البيطار و الطيونة والعكس صحيح، وهو ما يسعى ميقاتي إلى عكسه على الطاولة. قضية أخرى غير سهلة أيضاً، وتستحق أن تُرفع إلى رتبة إعاقة عمل الحكومة. فموضوع الطعن بالإنتخابات النيابية دخل مداه كذلك مسألة تسجيل المغتربين ووضعية بعض الأحزاب والتيارات والإنتخابات ككلّ، في ظلّ المقاطعة الخليجية التي حكماً ستمنع أداء أي دور من هذا القبيل فوق أراضي “مجلس التعاون”، فكيف ستتصرف الحكومة؟ وهل إذ فُرض تمديد الإنتخابات لأسباب تقنية، سيمضي الأمر بهدوء من دون عرقلة؟ لذا يبدو أن إشارات التعطيل كبيرة. من جهة أخرى، لا زالت الوساطات من أجل تصفير المشكلة مع الخليج مكتومة. الرياض وضعت سقفاً وهو تقديم قربان يتموضع في رأس القرداحي تحديدا.ً إذا سائر الوساطات تدور ضمن هذا الفلك، ومن ضمن ذلك الوساطة القطرية التي يبدو وإلى حينه أنها لم تبلور هدفها بعد. ويتردد على جانب سياسي ضيق، أن القطريين لن يدخلوا في وساطة ساقطة سلفاً أو ولدت ميتة، أي ما يحتاجونه هو الضمانات، بلّ ويسعون إلى تأمين مكسب سياسي من زاوية تحقيق خرق. هل ستمنحهم السعودية هذه الورقة، بمعنى هل ستدفع باتجاه دفع ثمن سياسي للقطري يعزز موقع الإمارة خليجياً؟ الواقع يقول لا. بناءً عليه، ما يُخطط للوساطة القطرية في حال حصلت لن يكون أكبر وأبعد من وساطة الجامعة العربية الفاشلة، وعلى الأغلب الاعمّ لن تدخل الدوحة في وساطة ساقطة بمفاعيل رجعية تعود عليها بالضرر الديبلوماسي والسياسي، وحيث تستطيع أن تقطف الرياض ثمناً على ظهرها. فرنسياً الوضع ليس أفضل. كل ما يتردد عن خطوات فرنسية غير صحيح. الرأي الفرنسي استقرّ عند حضّ الرئيس نجيب ميقاتي على عدم الإستقالة، وكفى. الموضوع اليوم لا يشبه قضية استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من الرياض كي تندفع باريس نحو بلورة حراكٍ نوعي. حينها مثّل ذلك اعتداءً على لبنان من دون مبرر. وجهة النظر الفرنسية اليوم تقارب الظنّ أن لبنان هو من اعتدى “لفظياً” على المملكة أو أقلّه “تشابك معها واستنفرها”، لذلك عليه يقع الحلّ، الحلّ الموضوعي عبر تقديم السبب والمسبّب، وليس رأس الحكومة الممنوع من التضحية فيها إلى حين الفراغ من الإنتخابات النيابية المقبلة. لذلك، تبدو الأمور معقّدة أكثر من ذي قبل وذاهبة إلى ما هو أقصى، وأي مشروع حلّ لا بدّ أن يقارب مبدأ دفع التكاليف بطريقة متوازنة بين أكثر من جانب معني، سيّما بعدما بلغت الأمور حداً لم يعد يمكن التراجع عنه، وأي طرف يتراجع سيعدّ خاسراً. |