يتموضع رؤساء الحكومة السابقون خارج كادر التجمّعات السياسية الموسّعة التي حطّت مؤخّراً على غصن لقاء رؤساء الكتل النيابية في قصر بعبدا، محتكمين إلى تقنية صورة رباعيّة تُظهَّر كلّما استدعت الظروف. وقد التُقطت في الساعات الأخيرة صور اجتماع رئاسيّ رباعيّ، يضعه الرئيس تمام سلام في إطار الحرص على متابعة التطوّرات بما فيها منهج عمل السلطة انطلاقاً من “تجاربنا وما نمثّله تجاه مجتمعنا وما نتحمله من مسؤولية تجاه رئاسة الحكومة وضرورة الحفاظ على توازن السلطات في ظلّ دستورنا الجديد -اتفاق الطائف- والدور الأساسي الذي يتمتّع به في موقع الحكومة”.
انطلاقاً من مقاربة الرؤساء الأربعة، ليس المهمّ التموضع في براويز الدعوات الموسّعة، إذا ما كانت الصور تُلتقط خارج الإطار الدستوريّ. وإذ يحتكم سلام إلى أسلوبٍ مباشر في الردّ على أسئلة “النهار”، يقول تعليقاً على كادر التهدئة السياسية ولقاء رؤساء الكتل في بعبدا إنّه “إذا كان المقصود إخفاء الكبائر والعظائم التي ابتلي بها البلد، فأكيد أننا لسنا جزءاً من ذلك ولا نرى فيه فائدة.
أعرف أنهم حاولوا الترويج لمقولة أن على الجميع أن يتصافوا ويساعدوا بعضهم بعضاً. وقد جرت الدعوة إلى لقاء فلكلوري – شكلي لإعطاء انطباع بأن الأمور في البلد تحت سقف واحد، لكنّها ليست كذلك خصوصاً أن هذا العمل ليس من اختصاص رئاسة الجمهورية.
دور رؤساء الكتل النيابية موجود في إطار السلطة التشريعية، حيث كان لا بدّ من دعوتهم مسبقاً إذا كانت الغاية تحقيق إنجاز بنّاء وتوحيد الصفوف… إنما ذلك لم يحصل على الإطلاق”.
وعن المواقف المتخوّفة من محاولات لإلغاء دور السنّة، يقول إنّ “بعض الوقائع تدلّ على استهداف هذا المكوّن واستضعافه ومحاولات التطاول على قياداته، في ظلّ محاولة تبرئة من يعمدون إلى هذا الاستهداف لأنفسهم وكأن ليس لهم دور في ما وصلنا إليه. وينتج ذلك ضرراً لكلّ الوطن، فالسنّة هم أصحاب البلد وأمّ الولد، وهكذا تفاعلوا وتعاملوا طوال هذه السنين في ظلّ التوازن الطائفي القائم الذي أتمنّى أن ننفض غباره وننتهي منه. وكنّا نتمنى أن تلغى الطائفية السياسية من خلال الدستور الجديد وأن تحصر في مجلس الشيوخ، ولربّما كنّا في وضع أفضل، لكن البعض لا يزال يستخدم الوضع القائم لتحقيق أطماعه، والأمر ذهب إلى حدّ أن كثيرين أوهموا الناس بأن الخلل في النظام، فيما هو في تطبيق هذا النظام وما طرأ عليه من تعديلات خصوصاً في اتفاق الدوحة الذي أدخل اعتبارات أثقلت الدستور ولم تعزّزه في اتجاه أقضل”.
ويحذّر سلام من “استمرار الوضع بالشكل القائم من مكابرة وعدم اعتراف بالمسؤوليات ومحاولة رميها على الآخرين والتعنّت والتصلّب والابتعاد عن التواضع في المعالجة، ما يؤدّي إلى إثارة المواطنين واستفزازهم، وهذا ما شاهدنا نموذجاً حيّاً عنه قبل أشهر عندما طاف الكيل وقامت الناس بشكل عفويّ.
وربما حالت جائحة الكورونا دون استمرار الانتفاضة، لكن ما أصبحنا عليه اليوم من وضع اقتصادي مأزوم وانهيار للعملة سيُنتج تحركات شعبية، وما أتمناه هو عدم محاولة القوى توظيف المشهد في اتجاهات مضرّة، فيما يتوجّب علينا كقادة توعية المواطنين بين ما هو مزيّف ومركّب وبين ما هو واقع وحقيقة.
ومن أبرز النماذج الحية اليوم، هي حملات مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، إذ يتقدم النقاش حول ملاحقة قضية عابرة لها علاقة بالفيول فيما الكلّ يعلم أن القضية الأكبر والأهم هي ملف الكهرباء، هذا القعر الكبير والنقطة السوداء التي تتفاقم منذ سنين. لو عولجت هذه النقطة بجدية لربما اقتلعنا دمّلاً كبيراً في البلد.
نقرأ أن عشرات المليارات أنفقت في هذا الاتجاه، ومن المؤسف أن الذين ارتكبوا ذلك يتهمون غيرهم ويحاولون رمي كرة الفساد عند الآخرين”.
وعن مسار الخطّة الاقتصادية، يرى أن “الإرباك يواكب عمل الحكومة والعهد، وهذا يعود إلى أن مقاربات التصدي لما نحن فيه يشوبها الكثير من البعد الانتقامي والثأريّ.
يدور الحديث حول مشروع الخطّة الذي وضع من قبل شركة لازارد التي تقاربه بمهنية، ومن الواضح التطرق إلى ما يسود البلاد في مجالات مختلفة، لكنّ التوجه إلى القول بأن الخطة حدث تاريخي فهذه مبالغات تسقط صدقية الخطط وعملانيتها.
وإذا كانت الخطّة تتجه بشكل أساسي إلى صندوق النقد الدولي وأصدقاء لبنان لمساعدته، فهذا يتطلّب الابتعاد عن الحساسيات السياسية واعتماد المصارحة والشفافية، لا ترتيب الأمور في الكواليس لفرض سلطة هذا الحزب أو ذاك.
وتحتاج الخطّة ليس فقط إلى تطوير، ووضعها في نصابها الحقيقي بالتوجّه جدياً إلى إقفال مزارب النهب والهدر. ويكمن المدخل الطبيعي والأكثر جدية في استقلالية القضاء الذي يعتبر قراراً تاريخياً… فلماذا التأخير في إصدار التشكيلات القضائية ومنازعة مجلس القضاء الأعلى، والكلّ يشهد لنزاهة هذا المجلس، والذين تابعوا منا مواقف رئيسه وأعضائه يراه شبه نموذجي ومثالي؟”.
ويخلص إلى أنّ “المؤسسات الدولية لا تفصّل سياستها على مقياس هذه الدولة أو تلك، علماً أن المواقف التي اتخذت منذ بداية طرح إمكان الاستعانة بصندوق النقد كانت سلبية إلى أبعد الحدود وتطوّرت فأصبحت متقبّلة ومزينة ببعض التعابير للتراجع عن المواقف الحادة. ويتّفق الجميع على ضرورة المتابعة مع الصندوق الذي لن يقصّر في مدّ اليد، في رأيي، لكنّه سيطلب إصلاحات جذرية كمدخل لهذا الدعم، ومن دون إصلاحات لا أرى صندوقاً دولياً أو سواه سيُقبِل على مساعدة لبنان.
ولا يبشّر ما نشهده من ممارسات وآخرها موضوع التعيينات، بالإقبال على إصلاحات جذرية، والأهم المساءلة والمحاسبة من قضاء مستقل، انتقالاً إلى ما ينشده الجميع من قانون انتخابي جديد لتجديد الدور التشريعي على مستوى المساءلة والمحاسبة، وهذا يتطلب مشاورات وطنية جدية واعترافاً من القوى المتسلّطة بأن هناك إجراءات جذرية لا بدّ من اتخاذها تماشياً مع متطلبات العصر التي لم يعد بالإمكان مواجهتها بطرق بالية إذا لم نقل بأساليب فاسدة”.
المصدر:النهار – مجد ابو مجاهد