مرحلة جديدة تتميّز بالجرأة فُتحت يوم أمس حينما أقرّت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة في المجلس النيابي برئاسة النائب ابراهيم كنعان قانون الإثراء غير المشروع مرفقاً بنموذج التصريح عن الذمة المالية لأي موظف في موقع عام أو مسؤول. كذلك تم إقرار إلغاء السرية المصرفية عمّن يؤدي وظيفة عامة، وهي مشاريع قوانين عديدة تقدّم بها تكتّل “لبنان القوي” والنواب بولا يعقوبيان وجميل السيد وسامي الجميّل، وبمشاركة من وزارة العدل وعدد من الخبراء وفي مقدّمهم النائب السابق غسان مخيبر، إذ عملت اللجان على دمجها ودراستها لإقرارها.
خطوة غير مسبوقة، أتت بعد صراع كبير خاضه تكتل “التغيير والإصلاح” في السابق و”لبنان القوي” اليوم وعدد من النواب عملوا طوال سنوات من أجل الدفع نحو إطلاق عجلة مكافحة الفساد من خلال التشريع، وذلك وفي خضم المرحلة الجديدة التي دخل فيها لبنان منذ تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، والتي تترافق مع عمل تشريعي كبير للأفرقاء المشاركين في الحكومة، وتطبيقاً للعناوين العريضة التي نادى بها رئيس الجمهورية ميشال عون منذ ما قبل وما بعد وصوله إلى قصر بعبدا.ومع إقرار الإثراء غير المشروع، والتوجّه لإقرار باقي مشاريع القوانين الأربعاء المقبل، يمكن القول أن مكافحة الفساد تحوّلت من عناوين رنّانة وعريضة إلى قوانين ملموسة قابلة للتطبيق.
وبحسب النائب ابراهيم كنعان، فإن إقرار قانون الإثراء غير المشروع يضع لبنان في موقع متقدّم من أجل بدء عصر مكافحة الفساد، إنما تبقى العبرة بالتنفيذ والتي تحتاج لإرادة سياسية وشعبية تُخضع السياسة لمنطق المؤسّسات والقوانين. فالإنجاز الذي تحقّق أمس، لا يسعى لتكريس أي عملية فساد مستقبليّة بشكلٍ وقائي وحاسم، وإنّما أيضاً يسهّل كشف كل ما ارتكبته السلطات المتعاقبة من “فسادٍ مُقونن” طوال أعوام، لا سيّما لجهة تهريب الأموال للخارج.
وفي هذا الإطار، يكشف النائب كنعان عن أن تطبيق القوانين لا سيما قانون توسيع صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة، سيسرّع في عملية كشف جميع الحقائق المتعلّقة بتحويل الأموال تحت سقف القوانين لا سيما قانون ٤٤/٢٠١٥.إن ورشة العمل في المجلس النيابي لن تتوقف، بل ستتابَع بإقرار قانون رفع الحصانات، في ضوء توجّه لدى أكثر من كتلة نيابية للموافقة عليه.
كذلك، فإن رفع الحصانات في حال أُقرّ يساهم بفرض استقلالية القضاء، حين يُحرّر القُضاة من السطوة السياسية ومن طلب إذن الوزراء أو الرؤساء المباشرين قبل استدعاء أي موظف رسمي للتحقيق معه في حال دارت حوله أي شبهة مالية أو قانونية.إن القوانين التي أقرّت يوم أمس، وتلك التي ستقر الأربعاء المقبل، ليست وحدها لمكافحة الفساد بمعناها الدقيق، بل يجب أن تُستكمل بإقرار المحكمة الخاصة للجرائم المالية، والتي تقدم بها العماد ميشال عون منذ ٢٠١٣ على أثر التحقيق المالي الذي أجرته لجنة المال والموازنة النيابية، والذي استمر من ٢٠١٠ حتى ٢٠١٣، وأسفر عن اكتشاف كل الحقائق المالية التي أدت إلى ما وصل إليه لبنان اليوم.يبقى السؤال، هل سيتلقّف الشارع إقرار هذه الحزمة من قوانين مكافحة الفساد كما يجب، أم أن المتضرّرين سيعمدون إلى رفع مستوى الشغب لتعمية الناس عن أنّ هناك من يعمل بجد لمستقبل أبنائهم؟!
صفاء درويش – ليبانون ديبايت