الخُلاصة التي استخرجَتها السفيرةُ الأميركيّة دوروثي شيا بعد اجتماعِها برئيس مجلس الوزراء حسّان دياب، أنَّه شخص يُمكن التعامل معه لكنَّه ليس سهلَ المنال. يمتلك أدبياته الخاصة، يشعر بهامشٍ واسعٍ من الاستقلالية ما يقوده لسعي نحو ترسيخ ثقافة تعاملٍ نديّة، ولا يُمكن أخذَ شيء منه بخلافِ ما يريد. في المحصّلة أنه مختلف عن جينات رؤساء الحكومات السابقين.
يريدُ دياب تكريسَ نموذج تعاملِ الجيش في العسكر ونقله الى التطبيق ضمن مسار الادارة، أي أن يأخذ من الأميركيين ما ينفعُ في تسيير أعماله وأن يرفضَ ما يجده مخالفاً لطبيعة التركيبة اللبنانية وبالتالي يضرُّه ويضرُّ مصلحة الدولة.
بناءً على التجربة التي خاضَتها شيا مع دياب حول مسألة التعيينات الماليّة وكانت كناية عن “مواجهة دبلوماسية ناعمة”، أدركت أنَّها تتعاملُ مع شخصٍ وضعَ أمامَه تصوّراً مفاده بأنَّ الهيكلية المالية تتحمّل جزءاً كبيراً من المشكلة الداخلية الحاصلة الآن، وبالتالي لا بدّ من البدء بإعداد ورشة التغيير المالي كي تتلائم والواقع المالي الجديد الذي سيَفرض نفسه لاحقاً.
في الأوراق المُبعثرة لدى دياب، لاحظت السفيرة الأميركية أنه لم يُغادر فكرة إستبدال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يصفُهُ بـ”المتكبّر”.
فحين طلبَ إليه رئيس الحكومة وضعه في واقع الأرقام لدى المصرف، تعاطى الحاكم بكثيرٍ من الاستعلاء، لدرجة أنه لم يقبل مَنحه الأرقام التي طلبها بل تعمّد تقديمها من خلال ظهوره الإعلامي الأخير.
أمرٌ ترتّب عليه الكثير عند دياب ولو أنّه لا يأخذ الأمور بإطارها الشخصي – الضيّق.العبورُ إلى طريق الاستبدال طويل، ولا بدّ أن يلحظ الكثير من الأمور، أولها أميركية، فالجميع يعلم بمن فيهم حزب الله أن واشنطن “جهة مؤثرة” في ما خصّ إسم وهوية حاكم مصرف لبنان المقبل بحكم التواصل الذي يفرضه هذا الموقع مع الجهات الاميركية والمؤسسات الدولية، وواشنطن تأخذ الاسم بكثير من الحيطة.
الحزب يتعاطى مع هذا الشأن بكثيرٍ من البراغماتية في المقابل، وقواعد وظروف المواجهة ذات الصلة بهذا الشق مختلفة. ثمّ إن واشنطن تعلم أن أيّ تغيير على مستوى الحاكم يجب أن يأخذ في عين الإعتبار الشروط الاميركية.
فيما لو قررت الضغط نحو تكريس اسم تختاره ولا يتقاطع مع الفريق السياسي المناوئ لها وعلى رأسه حزب الله، قد يجعل من المحاولة شبيهة بمحاولة تعيين نواب حاكم مصرف لبنان، أي أنها ستطير عن الطاولة بمجرد طرحها ملفوفة “بإطار مواجهتيّ”، وربما يحدث أكثر من ذلك فيما لو وجدَ حزب الله رواسب يُراد استثمارها في مسألة تأمين موظف همّه مراقبة مسار تطبيق العقوبات عليه واستكمال مسار سلامة.
الجميعُ في لبنان بات مقتنعاً أنّ وجود رياض سلامة في “الحمرا” لن يدوم طويلاً، وعليه بدأ البحث منذ الآن على تهيّئة الظروف الملائمة لاختيار البديل عنه وعلى كافة الصُعد، لدى رئاسة الجمهورية وحزب الله وفريق جنبلاط – الحريري وغيرهم، وما الاشتباك الاخير وتبادل الاتهامات “المقنّعة” بالهدر بين سلامة وأعضاء النادي السياسي الحاكم سوى القشة التي ستقصم ظهر البعير.
ومن بابِ ضروراتِ تسيير أمور المَرفق، ثمّة مَن يعتقد أنّ رئاسة الحكومة وحلفائها لن يتراجعوا عن بندِ الإطاحة بحاكم مصرف لبنان، بل ما زال ضمن التوجّهِ، لو أنه أُخرجَ من التداول راهناً، أمّا الكفة فتميل الآن صوبَ تأمين التهدئة المطلوبة تمهيداً لإعداد ظروف “العملية الانتقالية” المتوقع حدوثها في مصرف لبنان في المدى المنظور، ولا بدّ لهذه النقلة من عبور الفالق الزلزالي اللبناني، أي أنها ليست سهلة المنال.ليسَ سراً أنه، ومن خلف الكواليس بدأ البحث عن بديل للحاكم.
الحديث الذي يُشير إلى إرتفاع أسهم مدير عام وزارة المالية آلان بيفاني أو الوزير “العوني” السابق منصور بطيش مجرّد كلام أو تمنيّات لدى البعض، لكون أحد في الداخل أو الخارج لن يقبل تثبيت إسم طرف محسوب على جهة حليفة لحزب الله،كما أن الفريق الاخير، أي الحزب وحلفاءه، لن يرضى بـتكريس إسمٍ “فاقعٍ” محسوب على الخط الأميركي بالمطلق.
الغرفُ الاميركية ترفعُ أسهم وزير المال السابق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور كـ”خلفٍ مقترحٍ”، والاعتبارُ هنا يقوم على أنّ أزعور يتفهّم المتطلبات الأميركية وعلى علمٍ بالدوائر المالية وكافة تفاصيل الأمور داخل المصرف، كما أنه معلوم لدى كل من صندوق النقد الدولي وواشنطن، لكنّ هذا لا يعني أن طريقه نحو “الحمرا” سالكة.فالآخرين، وعلى رأسهم حزب الله، لا يجدون مصلحةً في تكرار تجربة سلامة بشخص يشبههُ جينياً.
في الوقت نفسه، لا يبحثون عن تكريس “مرشح مواجهةٍ”، وعلى الأرجح يريدون مرشحاً “بتركيبة هجينة”، يمكن القول برغماتياً، لكنّه ذاتَ مقدرةٍ على لعب دور “صلة الوصل” بين محورَين ماليَين طبعاً.
هذا يرتِّب على لبنان الخوض في إشتباكٍ مالي، يبدو أنّ تجليّاته بدأت بالظهور منذ الآن، فالصراع الدائر على خشبة “المصرف” لا يُمكن فصله عن ما يجري ترتيبه على طاولة الحمرا، وطبعاً غير منفصلٍ عن تطورات المنطقة التي ستساعد في تهيّئة ظروف اي تغيير بنيوي متصل بطبيعة الجانب المالي – المصرفي في لبنان… ما يعني أننا أمام عاصفةٍ مقبلةٍ.
عبدالله قمح- ليبانون ديبايت