يعرض رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم خطة الحكومة الاقتصادية على رؤساء الكتل النيابية، في لقاء دعا اليه في القصر الجمهوري، وسط تسجيل غيابات على صعيد الصف الأول من الشخصيات السياسية، ما يشير إلى عدم جدية الخطة المطروحة خصوصاً بعد نقمة المصارف عليها.
اما الأهم من اللقاء الذي ينعقد وسط غلاء فاحش للأسعار، هو أصوات اللبنانيين التي ارتفعت وترتفع كل يوم بعد فقدان بعض المواد الغذائية، وعدم قدرتهم لشراء بعض السلع التي بات من شبه المستحيل دفع ثمنها وسط غياب تام لأي رقابة باستثناء تحركات وزارة الاقتصاد الخجولة والتي لم تشمل كافة المناطق، فخسائر قطاع السياحة وحده سجلت 6 مليارات دولار.
وإزاء الواقع المزري، وعند مقاربة المجتمعين خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع لمظاهر التحركات الشعبية في عدد من المناطق، توقعت التقارير الامنية ان تتزايد الحركة الاحتجاجية كلما ازدادت الصعوبات الاقتصادية واستمر إقفال المؤسسات في مجالات حيوية عدة، وهو ما جعل عشرات الألوف مهددين بلقمة عيشهم ورواتبهم الشهرية الكاملة، عدا عن ضياع تعويضات كثيرين منهم، بحسب “الجمهورية”.
ويتوجه عدد من المتظاهرين اليوم، الى قصر بعبدا، احتجاجاً على الخطة، والاوضاع الاقتصادية والمالية والغلاء الفاحش للأسعار.
ومن لقمة العيش إلى الصحة، جميع مقومات صمود المواطن محاصرة وشبه معدومة، في ظل ارتفاع أسعار عدد من الأدوية في بعض الصيدليات، وسط مخاوف من أن يكون الأمر مقدمة لرفع أسعار سائر الأدوية، خصوصاً في ظل الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان مع تخطي معدلات الفقر 50% من الشعب اللبناني، واتجاهها للارتفاع أكثر بحسب آخر تقرير لصندوق النقد الدولي.
وبالعودة إلى لقاء بعبدا، اذ لا يبدو أمام الرئيس ميشال عون مفر من عقد الاجتماع النيابي اليوم في قصر بعبدا “بمن حضر”، وأبرزهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي آثر إنقاذ وجه الرئاسة الأولى بحضوره شخصياً الاجتماع، بينما ستكون مشاركته مقتصرة على “الصورة” مكتفياً بالاستماع إلى الشرح الذي سيقدم حول الخطة المالية من دون أن يدلي برأيه ولا بملاحظاته عليها، حسبما أكدت مصادر نيابية لـ”نداء الوطن”، على اعتبار أنّ المكان الطبيعي لإبداء مثل هذه الملاحظات هو تحت قبة البرلمان.
وعشية اللقاء، قالت مصادر حزب القوات اللبنانية انّ “الرأي العام اللبناني مَلّ من الخطابات الرنانة والبيانات الوزارية الطنانة والبرامج المالية الفضفاضة والخطط الاقتصادية المكثفة، لأنه يعتبرها تأسيساً على تجربته الطويلة والمرّة بأنها ستبقى حبراً على ورق”.
ورأت “القوات” عبر “الجمهورية”، انّ “ثمة خطوات لا تتطلب اجتماعات ولقاءات ومحادثات وحوارات ومشاورات، بل جلّ ما تتطلّبه هو وجود قرار من أجل الشروع فوراً في التنفيذ، لأنّ بعض البنود في الخطة طويلة الأمد وتستدعي ورشة نيابية، فيما يجب وضع الأمور على النار سريعاً من خلال بعض الإجراءات المعروفة من قبيل ملفي الكهرباء والاتصالات والموظفين غير القانونيين والمعابر غير الشرعية والجمارك”.
وفي سياق يتعلق بالمواقف الدولية حيال خطة الحكومة ولقاء بعبدا، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن “مقياس نجاح الخطة الاقتصادية هو في تنفيذ حكومة الرئيس حسان دياب إصلاحات جدية تلبي مطالب الشعب اللبناني”، مشيراً إلى إنه “من المهم أن تنفذ الحكومة إصلاحات تسمح بالشفافية وبدء عملية صعبة لاستعادة الثقة الدولية في لبنان”.
وبعيداً من خطة الحكومة، وفي ملف يتعلق بصحة اللبنانيين، يشتكي بعض المواطنين، في مناطق مختلفة، من ارتفاع أسعار عدد من الأدوية، والغريب أن الدواء يدخل من ضمن سلة المواد الأساسية المدعومة من قبل مصرف لبنان، على أساس السعر الرسمي لصرف الدولار (1516 ل.ل)، مثله مثل المحروقات والقمح والمستلزمات الطبية، أي أن الأسعار لا يفترض أن تتأثر بالبلبلة والتذبذب الحاصلين في سوق الدولار وارتفاع سعر الصرف الفعلي في الأسواق الموازية.
وفي السياق، نفى نقيب الصيادلة في لبنان الدكتور غسان الأمين، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، “أي تسعيرة جديدة للأدوية في لبنان”، مؤكداً أن “الأسعار لم تتغير، ولا تزال على حالها بحسب آخر جدول أسعار صادر عن وزارة الصحة مطلع العام الحالي”.
واكد أن “نقابة الصيادلة، وفي حال قيام أي صيدلية برفع الأسعار بما يخالف لائحة وزارة الصحة، على استعداد تام لمتابعة الموضوع، وتحويل المسؤول عن هذا الفعل إلى التحقيق مباشرة أمام القضاء المختص لاتخاذ التدابير القانونية بحقه”.
بدوره، نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة، يجزم أنه “من غير الممكن أن يكون ما يتردد عن رفع سعر الأدوية صحيحاً”. ويقول، لموقع “القوات”، إن “هذه المعلومات عارية عن الصحة”.
ويضيف، “الأدوية مسجّلة ومسعَّرة من قبل وزارة الصحة، والأسعار منشورة على الموقع الإلكتروني للوزارة. وأي صيدلية تبيع أي دواء بسعر مختلف عن السعر المسجَّل على موقع وزارة الصحة، تكون مخالفة وينزل بأصحابها العقاب القاسي”.
توازياً، أضاءت الأزمة المالية التي يعانيها لبنان حالياً على حجم الاستيراد المخيف والمشبوه. اذ سنة 2018 صدّر لبنان نحو ملياري دولار اميركي، في المقابل فاق حجم الاستيراد 15 مليار دولار ليسجّل العجز التجاري حوالى 13 مليار دولار. لكن ما مدى صحة هذه الارقام؟
يقدّر العجز التجاري في المواد الغذائية وحده بـ 28 مليار دولار على مدى السنوات العشر الماضية. فقد عملت السياسات الخاطئة المتّبعة على تدمير مُمنهج للاقتصاد على مدى سنوات.
وإذا ألقينا نظرة على الفوارق بين ارقام ما صدّرته الدول للبنان وما سجّله لبنان في دفاتره من واردات، يتبيّن حجم الفجوة التي تخفي وراءها كارتيل فساد جَنى من تدمير اقتصاد لبنان ارباحاً خيالية وقضى بطريقه على القطاعات المنتجة.
بين الارقام التي تظهرها ادارة الجمارك اللبنانية وموقع tridge.com (موقع مرجع تعتمده غالبية الدول للاطلاع على حركة الاستيراد والتصدير في كل بلدان العالم) تظهر فروقات كبيرة في الارقام بين ما خرج من دول المَنشأ الى لبنان وما دخل فعلياً الى لبنان. وفي ما يلي بعض الامثلة:
– عام 2018 ووفق أرقام السعودية فقد صدّرت الى لبنان 145 الف كيلو حليب بقيمة 133 الف دولار، بينما تظهر ارقام الجمارك اللبنانية انّ لبنان استورد في العام نفسه من السعودية 5 ملايين و820 الف كيلو بقيمة 6 ملايين دولار.
لهذه الفوارق عدة تفسيرات، منها انه دخل الى لبنان خلال هذا العام بعض المستوردات من السعودية تحت مسمّى حليب، لأنه مُعفى من الجمرك، بزنة 5 ملايين و600 الف كيلو في حين هو ليس بحليب. وبالنظر الى مستوردات لبنان من السعودية يظهر الحديد، الذهب، البلاستيك… وهذه المواد مرتفعة الثمن كما رسوم الجمرك المفروضة عليها، وبالتالي قد تكون دخلت من دون جمرك الى لبنان تحت مسمّى حليب وفقاً لما ورد عبر “الجمهورية”.
المصدر: الجمهورية